Monday, February 3, 2014

3. روفينوس وميلانية الكبيرة

فردوس الآباء : ...
(نواصل عرض مقدمة الكتاب)

خامسًا: الرحالة الأجانب الذين جاءوا إلى مصر
وجمعوا أقوال الآباء ونقلوا الرهبنة إلى بلادهم:
3- روفينوس وميلانية الكبيرة: 
ظهر "تيرانيوس روفينوس" في أواخر القرن الرابع (عام ٣٧٣ أو ٣٨٥ م) في بلادنا طبًقا لحلم القديس أنبا مقار الذي رأى فيه سفينًة تجاريًة آتيًة إليه من الغرب بشخصٍ إيطالي. وبفضل روفينوس عبر جزءٌ كبير من أعمال (أي سير وكتابات) هذا القديس المصري العظيم أنبا مقار محيط العصور المظلمة، وفي حين فُقِد هذا الجزء من اللغة اليونانية فقد بقي في اللاتينية لكي يغني الغرب والشرق على السواء.
تقابل روفينوس مع النبيلة الأسبانية الأصل والرومانية الموطن التقية السيدة ميلانية الكبيرة (جدة ميلانية الصغيرة) في روما، واصطحبها مع آخرين في رحلتها السياحية إلى الشرق وقيل إن ذلك كان عام ٣٧٣ م، وقد زاروا الأديرة المصرية. ورافق القديسة ميلانية إلى نتريا القديس إيسوذورس الذي من نتريا وأنبا ديوسقورس أسقف دمنهور، ثم رجعت إلى فلسطين بعد أن قضت ستة أشهر في زيارة آباء البراري المصرية. وقد رغب هؤلاء الرحالة في الإقامة الدائمة في مصر لولا الاضطهاد الأريوسي ويقرر روفينوس في دفاعه (تحت رقم ٤٦٦ ) أنه مكث ست سنوات في مصر حيث قابل العديد من قديسي البراري الذين كتب عنهم، وأنه رجع مع زملائه إلى مصر مرًة ثانيًة لمدة عامين، ويرجح أن رحلتهم الأخيرة هذه بدأت عام ٣٩٤ م، لأن القديس يوحنا الأسيوطي الذي قابلهم تنبأ لهم عن خلع الإمبراطور أوجينيوس بواسطة ثيئودوسيوس، هذا الذي ّ تم في  سبتمبر من هذا العام ... وكان الرهبان المصريون يشعرون بعدم استحقاقهم لهذه الزيارات، فقد قال مثلا القديس يوحنا الأسيوطي لجماعة روفينوس: [ما هي الأمور ذات الأهمية التي تتوقعون أن تجدوها - يا أولادي الأعزاء - حتى إنكم وضعتم على عاتقكم مثل هذه الرحلة الطويلة المليئة بالأتعاب لتزوروا فقراء بسطاء لا يملكون شيًئا جديرا بالرؤية أو التعجب منه؟… إنني متعجب من غيرتكم! كيف لا تبالون بهذه الأخطار الكثيرة في مجيئكم إلينا لكي تتعّلموا منا]؟! وكان ردهم بأن ما يرونه ويسمعونه في أماكن القديسين ينطبع في أذهانهم كالصور ولا يمكن أن يمحى من ذاكرتهم.
ولما وصلوا إلى نتريا كان أنبا مقار الإسكندراني قد توفي منذ قليل . وقد وصف روفينوس كل ما رآه وسمعه بدّقةٍ، وينسب إليه كتاب
 The Historia Monachorum in Aegypto
الذي يعتبر أحد المصادر الرئيسية لأقوال الآباء، ولكن البعض يرجح أن كاتبه هو تيموثاوس أحد شمامسة الإسكندرية عام ٤١٢ م.

ومن أقوال هذا الكتاب: [مبارك هو الله… لأنه جاء بنا إلى مصر…لقد وهب لنا -
نحن الذين نريد أن نخلص - الأساس والمعرفة للخلاص. لقد زودنا الرب، ليس بنماذج للحياة الصالحة فحسب، بل أيضا كشف لنا كل ما يؤدي إلى تكريس النفس الحقيقي لله. هذه الأمور لا يستحق من هم مثلنا أن يتكّلموا عنها، ولكنني في تسجيلي هنا عن آباء البراري المصريين اعتمدت على صلواتهم لكي آخذ أنا أيضا منفعًة لنفسي من حياة هؤلاء : الرهبان باقتدائي بطرق حياتهم، لأنني بالحق رأيت كنز الله مخفى في أوانٍ خزفية ( ٢كو ٤)، لذلك فلم ُأرد أن أحتفظ بهذا الكنز لنفسي في حين أنه ينفع الكثيرين].

ثم أكد روفينوس أن الفضل الأول في قداسة هؤلاء الآباء يرجع إلى تعاليم الرب يسوع المسيح، مما يثبت أن أصل الحياة الرهبانية هو إنجيليٌ صِرف. ثم يقول: [لأنني رأيت في مصر آباء كثيرين يعيشون حياة ملائكية إذ تقدموا بثباتٍ في التشبه بمخلِّصنا الصالح. لقد رأيت أنبياء بلغوا إلى حالةٍ شبه إلهية بفضائل حياتهم اُلملهمة والعجيبة، فهم خدام حقيقيون لله. إنهم لا يشغلون أنفسهم بأي أمر أرضي ولا يهتمون بشيءٍ يتعّلق بهذا العالم الزائل، بل إنهم يعيشون على الأرض كمواطنين سمائيين، بل إن الكثير منهم لا يعلم أن الشر لا زال موجودا في العالم … إنهم موزعون في البراري منتظرون للمسيح كأبناء مخلصين ينتظرون والدهم…

حًقا إنه لواضح للجميع أن العالم محفوظ بهم وأن الحياة البشرية تكرم بصلواتهم…لا توجد مدينة أو قرية في مصر لم تكن محاطة بأماكن للنسك والعبادة وكأنها أسوار، كما أن الناس يعتمدون على صلوات الرهبان كاعتمادهم على الله نفسه]!

وما أجمل وصف هذا الكتاب لترحيب الرهبان، إذ قال: [لقد غسلوا أرجلنا كما لو
كانوا يزيلون عنا تعب رحلتنا، ولكنهم في الحقيقة كانوا يزيلون عنا متاعب الحياة الدنيوية بهذا العمل التقليدي، ولما رأينا اهتمامهم بالتأمل في الكتاب المقدس والتعمق فيه شعرنا أن كلا منهم كان خبيرا في كلمة الله وحكمته].

أما القديسة ميلانية الكبيرة فقد قابلت العديد من الآباء في أماكن نسكهم في أعماق البراري، حيث تتلمذت على تعاليمهم وأخذت من اختباراتهم زادا مكنها من أن تصير أما لراهبات ديرها الذي أسسته في جبل الزيتون في فلسطين نحو عام ٣٧٧ م. وقد ُأضيَفت ثروة روفينوس إلى ثروة ميلانية، وبنيا بها مساكن لرهبان جبل الزيتون. كما سجل روفينوس أنه قام برحلةٍ إلى "إديسا" (الرها) و"تشارو  حيث رأى مساكن للرهبان كالتي رآها في مصر.
(منقول من كتاب: "فردوس الآباء - أي بستان الرهبان الموسع)

No comments:

Post a Comment