Sunday, January 12, 2014

3- قرويون غير مثّقفين صاروا عمالقة في الروح

فردوس الآباء - 3

قرويون غير مثّقفين صاروا عمالقة في الروح:

معظم أقوال الآباء التي تحويها الموسوعة الأبجدية اليونانية مصدرها آباء برية الأسقيط، ورغم أن الكثير منهم كانوا قرويين من ريف نهر النيل وغير مثّقفين لم يتلامسوا مع المبادئ أو الفلسفات المعاصرة؛ إلا أن روح الله الذي جدد خلقتهم وطبيعتهم عمل فيهم بقوةٍ غير مدركة، فملأهم بالروحانية والنسك حتى استطاعوا أن يؤثِّروا ليس على معاصريهم فحسب؛ بل وعلى كل الأجيال اللاحقة ليتعّلموا منهم: ”النسك الذي تعّلموه من الكتب المقدسة“ حسب تعبير كتاب ”حياة أنطونيوس بقلم أثناسيوس“ (فصل ٤٦ ). وفي هذا يقول الأب متى المسكين: [إن اتصال إنسان واحد بالله اتصالا صحيحا كفيل بإنارة الكنيسة كلها والعالم!]

ولقد ابتدأ العديد من المتوحدين وآباء المجامع الرهبانية في الظهور منذ القرن الرابع كمختبرين ناجحين تركوا لنا خبراتهم العميقة، وخلقوا طابعا أدبيا للرهبنة وقوانين رهبانية ومقالات نسكية وعظات ورسائل على أعلى درجةٍ من الكفاءة الروحية، حتى فاقت كل الفلسفات الدنيوية بقدر ما تفوقت المسيحية والحياة حسب الروح على الحياة حسب الجسد!

لقد وضعوا مقالات ذات قيمة لاهوتية روحانية وتاريخية عالية، بل إن الأديرة نفسها
صارت مراكز بارزة للعلم الديني مثل أديرة أنبا شنودة رئيس المتوحدين، ودير أنبا مقار الذي صار لعدة قرون مركزا للكلية اللاهوتية. لقد كانت البرية مدرسة نموذجية للروح القدس، فالرهبان الجدد الذين التصقوا بالشيوخ القدامى كانوا يدعون تلاميذ. وكان الشيوخ مستعدين للرد على جميع الأسئلة الموجهة إليهم أو لأخذ زمام المبادرة في الأحاديث الروحانية، إلا إذا رأوا أن كلامهم لن يؤدي إلى نتيجة، فكانوا يصمتون أو يكون ردهم كما في القول الآتي:

 [سأل مرًة أنبا بيمين أنبا مقار: ”ُقل لي كلمًة لأخلص ، ولكن الشيخ أجابه: ”إن ما تبحث عنه قد اختفى الآن من بين الرهبان“ (أي أنهم صاروا لا يعملون بما يسمعون)]

وكان يأتي لسؤال آباء البرية ليس المبتدئون والبسطاء فحسب، بل وأيضا الأساقفة
ورؤساء الأساقفة والحكام، وكانت خبراتهم الروحية التي نقلوها لآخرين مؤيدًة بوضوح من كلام الكتاب المقدس بعهديه. وإن كان بعض هؤلاء الآباء قد صاروا أساقفة، إلا أن هذا كان يعتبر استثناءً في حياة آباء البراري الذين كان عمق التصاقهم بالرب يجعلهم يفضلون حياة الخلوة الهادئة عن حمل مسئولية خدمة النفوس التي لا يضمنون فيها خلاص نفوسهم، حتى ولو كان فيها خلاص لنفوس الرعية
« لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه»

ومن أمثلة تلمذة الأساقفة ورؤسائهم على آباء البرية: تلمذة البابا أثناسيوس الرسولي لأنبا أنطونيوس، والبابا كيرلس عمود الدين لأنبا سيرابيون، وزيارات البابا ثيئوفيلس ال ٢٣ المتكررة للقديسين باموا وأرسانيوس وغيرهما لسؤالهم أسئلًة روحيًة… والأمثلة على ذلك كثيرة.

...................................................
مازلنا نعرض مقدمة الكتاب في طبعته العربية - اعداد رهبان ببرية شيهيت سنة 2006

No comments:

Post a Comment