أقوال الآباء ليست للتعليم والتثقيف بل للمنفعة الروحية العملية، كما أن لها دورا
تربويا أساسيا للروح الرهبانية الإنجيلية ولا سيما للمبتدئين في الرهبنة، وبالأخص الذين يطيعون مرشديهم بروح التلمذة الحقيقية. والهدف من أقوال الآباء ليس هو وصف ثمر الروح القدس في النفس المتحررة من الأهواء، بل قيادة الراهب إلى الطريق الذي ينبغي أن يجوزه إذا أراد أن يتحرر من عبودية الأهواء وأن يتقبل في داخله ثمر الروح. ولما كانت أقوال الآباء تتضمن خبرات روحية متعددة، فهي تلقِّن الراهب ما يحتاجه من بصيرةٍ وإفراز روحي. إنها تلهِب وتهذِّب الذين يريدون أن يتشبهوا بحياة القديسين السمائية، وأن يتقدموا في الطريق المؤدي إلى ملكوت السموات. كما ينبغي معرفة أن هؤلاء الآباء قد اشتعلوا بالكامل بالحب الإلهي، وأنهم كانوا يجتهدون كثيرا جدا حتى لا يصابوا بالمجد الباطل، وأن يمتلئوا بالاتضاع.
حياة الراهب هي جهاد مستمر، حرب فيها ربح وخسارٌة، سقوط وقيام بلا توقُّف،
ولذلك فمن العبارات المألوفة في أقوال الآباء: ”أخ حورِب بالوقيعة“، ”أخ حورب بالزنى“ … إلخ. ومع أن المبتدئين يحاربون باستمرار من الشياطين ومن الجسد ومن أوجاع النفس وكثيرا ما يسقطون، إلا أن الكاملين من الآباء تصورههم الأقوال بأم في حالة نصرة دائمة على هذه الحروب حتى ضجرت منهم الشياطين.
والثمرة المباركة التي يجنيها النساك باستمرار من هذه الحروب المتواترة هي أنها تكسِبهم حنكًة وخبرًة ينقلوها بسهولةٍ إلى تلاميذهم والأجيال اللاحقة من الرهبان بل وحتى العلمانيين، كما أنهم شعروا بأن هذه الحروب تجعل لجهادهم - بالصوم والصلاة والتوبة - أكاليل عظيمة خالدة في الأبدية!
وكم كان هؤلاء الآباء يترّفقون بالخطاة حتى يقتادوهم إلى التوبة ثم إلى القداسة! وكانوا يتظاهرون بأنهم لا يرون المخطئ وهو ساقط في خطيته، بل إنهم كانوا لا يحزنون مرشدهم أثناء سيرهم في القفر حتى ولو انحرف بهم عن الطريق للدرجة التي فيها يصيرون في خطر الموت! وفي الواقع تعتبر أقوال الآباء بمثابة صورة فوتوغرافية عن حياتهم في البراري.
كثيرٌة هي أتعاب الناسك، إلا أن هدفه واحد: وهو إرضاء الرب بتنقية قلبه واقتناء
الفضائل ليس لذاتها بل لتزيين العروس لعريسها، ويفضل القديس يوحنا القصير أن تحوز النفس ولو القليل من كل فضيلة.
....................................................................
(الملاحظات تحت هذا الخط من إنشائي وليست من نص الكتاب)
أقوال الآباء الروحيين هي ليست للرهبان النساك فقط ... بل لكل إنسان مسيحي يبتغي وجه الله ... لذلك أثناء قراءتك ... إستبدل كلمة راهب أو ناسك ... بكلمة "مسيحي" !!!
No comments:
Post a Comment